أدرك النظام السوري منذ اندلاع الحراك الشعبي في آذار 2011 دور الإعلام الفعال في إيصال المطالب الشعبية إلى الرأي العام وفي فضح جرائمه وانتهاكاته فحاربه بكلِ ما أوتيَ من قوة وعمد إلى حظرَ وسائل الإعلام العربية والدولية واستخدم بالمقابل إعلامَه في بثِّ الدعايات والفبركات المعاكسة للواقع. فشكلت وسائلُ التواصل الاجتماعي والإعلام البديل اللّذين تطورا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، الملاذَ الذي لجأ إليه الناشطون المحليون ممن عانوا من سياسة كمِّ الأفواه، ومن تجيِّير النظام السوري للوسائل الإعلامية لصالح دعايته المزيفة، حيث بدأ ظهور ما يُعرَف بالمواطن الصحفي الذي يفتقد الخبرة في المجال الإعلامي، لكنّه اعتمد على التقنيات التكنولوجية الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة في محاولة منه لنقل الوقائع والأحداث، وقد بدأ أولئكَ الناشطون بأدوات بسيطة مثل كاميرات هواتفهم المحمولة ثم طوَّروا من أدواتهم وأدائهم مع مرور الوقت وتطوُّرِ ديناميات الحراك الشعبي، كما تطوّرت طرق تعاملهم مع المجريات وتغطيتهم للأحداث بشكل واضح، وشاركوا في تغطية الحراك في وسائل إعلامية عربية وعالمية. ثمَّ بدأت تظهر مواقع إلكترونية مُتخصصة في نقل الصور والأخبار، وصحف وإذاعات إخبارية محلية إلا أنَّ هذا الظهور المتسارعَ للإعلام البديل، لم يترافق مع مستويات موازية من التدريب؛ ما جعله عرضةً للتأثُّر بمزاجيات وإمكانات ومحدودية أُفق المسؤولين عنه.

قتل النظام السوري منذ بدء الحراك الشعبي 526 ناشطاً إعلامياً وصحفياً

و قد جابَه النظام السوري عدسات وأقلام النشطاء الإعلاميين والصحفيين بالقتل والاعتقال، وتصاعدت حدّة استهدافهم بالتوازي مع ارتقاء أساليبهم ومعداتهم بهدف السيطرة على المجال الإعلامي وتطويع كل من يعمل به في إطار الرؤية والمنهجية التي رسمها النظام للتعامل مع الحراك الشعبي، وعبر عمليات الرصد والتوثيق اليومية المتواصلة من قبل منظمات حقوقية كالشبكة السورية لحقوق الإنسان لوحظ أنَّ نصيب الناشطين من التَّعذيب والتنكيل يُعدُّ الأكبر مقارنة مع غيرهم من المعتقلين؛ ما يُفهم على أنه رسالة ردع إلى بقية زملائهم، وقد فَقد العديد منهم حياته بسبب التعذيب الوحشي والممنهج.

و كنتيجة لانتهاكات النظام الممنهجة بحقهم؛ عمدَ معظم النشطاء الإعلاميون والصحفيون إلى التَّخفي واستخدام أسماء مستعارة حرصاً على حياتهم وحياة ذويهم، كما اضطر العديد منهم إلى النزوح أو الهجرة مع عائلته للأسباب ذاتها. رغم ذلك وفي سبيل إيصال الحقيقة بذلَ العديد منهم تضحيات أسطورية بلغت في بعض الأحيان دفع حياته ثمناً لذلك، وقد تم رصد الكثير من الحالات التي كان الإعلامي فيها يُصور آخر لقطة في حياته لحظة مصرعه برصاص قناص أو قذيفة صاروخية أو مدفعية في لحظة تراجيدية صارخة.

قتل النظام السوري منذ بدء الحراك الشعبي 526 ناشطاً إعلامياً وصحفياً كان من أوائلهم الناشط أحمد سليمان الضحيك في 29/ أيار/ 2011 أثناء تصويره اقتحام الدبابات مدينته تلبيسة في ريف حمص، وتسبَّب في مقتل العديد من الإعلاميين والمصورين الأجانب، كما حصل مع الصحفية الأميركية (Marie Colvin) والفرنسي(Rémi Ochlik) إثر قصف قذائف صاروخية عدة على حي بابا عمرو في مدينة حمص في 22/ شباط/ 2012. كما عمدَ النظام السوري إلى ملاحقة الإعلاميين واعتقالهم والتنكيل بهم وتُشيرُ الأرقام إلى 349 إعلامياً مازالوا حتى الآن رهنَ الاعتقال والإخفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة له، كما سُجل مقتل 38 إعلامياً بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز. والأمثلة عديدة لا حصر لها، بدءاً من الصحفي والناشط الحقوقي مازن درويش الذي اعتقله النظام السوري في 16/ آذار/ 2011 ليوم واحدٍ على خلفية مشاركته في اعتصام لذوي سجناء الرأي، أمام وزارة الداخلية بمدينة دمشق للمطالبة بالإفراج عنهم، وتكرَّر اعتقاله مرتين في وقت لاحق. وليس انتهاءً بالكاتب عدنان الزراعي، والصحافيان مهيب سلمان النواتي ومهند محمد عمر فما زال مصيرهم مجهولاً داخل زنزانات النظام السوري حتى هذه اللحظة.

وبقيَ النظام السوري المتفرِّد في ارتكاب الانتهاكات بحق النشطاء الإعلاميين والصحفيين إلى أن تحوَّل الحراك الشعبي إلى نزاع مسلح داخلي في 16/ تموز/ 2012 وبدأت تظهر عندها أطراف جديدة على ساحة حرب السيطرة على الرأي ونشطائه، وتشاطرت أطراف النزاع في سوريا سياسة تكميم الأفواه التي دأب النظام على اتباعها سابقاً، وباتَ الناشط الإعلامي هدفاً مشروعاً لأي طرفٍ يُسلط الضوء على ممارساته وانتهاكاته. ثمّ تحوّل عدد من النشطاء الإعلاميين والصحفيين من مواكبة الحراك المدني السلمي إلى متابعة سير الأعمال العسكرية لمختلف أطراف النزاع، الأمر الذي أدى إلى تعرُّضهم للقتل والإصابة والأسر على خطوط الجبهات.

كان الناشطون الإعلاميون أيضاً عرضة للاعتقال في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل وتزداد وتيرة هذه الاعتقالات حين تناحر الفصائل مع بعضها البعض؛ حيث يعمد كل فصيل إلى فرض سلطته عن طريق قمع الإعلاميين، وتُشير أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وجود 11 إعلامياً رهنَ الاعتقال أو الإخفاء القسري لدى تلك الفصائل حتى الآن

ولم تسلم المناطق التي تقعُ تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، من مختلف أنواع الانتهاكات والجرائم بحق النشطاء الإعلاميين والصحفيين، كما لم تسلَم من محاولات توجيه الكلمة والرأي بقوة السلاح ورفض قبول الرأي الآخر، ولم يقتصر ذلك على الإعلاميين الموالين لقوات النظام السوري، بل تجاوزه إلى النشطاء المحليين الذين رفضوا التبعيَّة الفكرية وانتقدوا تصرفات وتجاوزات بعض الفصائل في المعارضة المسلحة. فقد تسببت في مقتل 21 إعلامياً، معظمهم ممن كان يُغطي الاشتباكات بين هذه الفصائل وأطراف أخرى .

وكان الناشطون الإعلاميون أيضاً عرضة للاعتقال في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل وتزداد وتيرة هذه الاعتقالات حين تناحر الفصائل مع بعضها البعض؛ حيث يعمد كل فصيل إلى فرض سلطته عن طريق قمع الإعلاميين، وتُشير أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وجود 11 إعلامياً رهنَ الاعتقال أو الإخفاء القسري لدى تلك الفصائل حتى الآن. من بينهم المصور الروسي (Konstantin Zhuravlev) الذي اعتقلته إحدى هذه الفصائل (لواء التوحيد) في 12/ تشرين الأول/ 2013 لدى عبوره الحدود التركية إلى داخل الأراضي السورية. نشير إلى أن قسطنطين هو أول الإعلاميين الذين اعتقلتهم فصائل في المعارضة المسلحة. كما يُشاركه التغييب مصور قناة الإخبارية السورية طلال جنبكلي الذي اعتقل في دير الزور في 4/ آب/ 2012.

انتهجت قوات الإدارة الذاتية الكردية سياسة الاعتقال بحق الإعلاميين بشكل مكثَّف فقد وثَّقت عشرات الحالات ومازال 17 إعلاميا رهن الاعتقال أو الإخفاء القسري، كما تسببت مدفعيتها في مقتل 3 إعلاميين

وليس ببعيد عن ذلك كانت المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الإدارة الذاتية الكردية، حيث تعدَّدت انتهاكاتها من خطفٍ وملاحقة وتضييق ونفي الأمر الذي أدى إلى فرار كثير من الإعلاميين أو توقُّفهم عن العمل ؛ في سياسة تهدف إلى تكميم الأفواه وإيقاف أي شكل من أشكال النَّقد وتسليط الضوء على سياسات وانتهاكات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وإسكات أيِّ صوت لأي خصم سياسي أو مدني، حالها حال النظام السوري ومن لفَّ لفيفه من الأطراف المتنازعة. وانتهجت قوات الإدارة الذاتية الكردية سياسة الاعتقال بحق الإعلاميين بشكل مكثَّف فقد وثَّقت عشرات الحالات ومازال 17 إعلاميا رهن الاعتقال أو الإخفاء القسري، كما تسببت مدفعيتها في مقتل 3 إعلاميين. وسجلت أول حادثة اعتقال على يد هذه القوات في 20/ نيسان/ 2014 حين اختطفت كلاً من الإعلاميَين بيشوا بهلوي ورودي إبراهيم في مدينة القامشلي، ونفتهم إلى إقليم كردستان العراق عقب 9 ساعات بتهمة الخيانة والعمل خارج إرادة الكرد في روج آفا، وكان الناشط الإعلامي برزان حسين الياني هو آخر الناشطين الذين قامت الإدارة الذاتية باعتقالهم وهو الآن مجهول المصير.

أضاف ظهور الجماعات المتشددة وعلى رأسها تنظيم داعش لوناً جديداً من ألوان الفظائع السادية عبر عمليات استعراضية وحشية قام بها أثناء إعدامه بعض الصحفيين المختطفين لديه

وأضاف ظهور الجماعات المتشددة وعلى رأسها تنظيم داعش لوناً جديداً من ألوان الفظائع السادية عبر عمليات استعراضية وحشية قام بها أثناء إعدامه بعض الصحفيين المختطفين لديه. ويبدو أنه قد قام بذلك بعد فشله في إبرام صفقات مالية يبتزُّ بها حكومات هؤلاء الصحفيين لمقايضتهم بمبالغ طائلة، كما حصل مع الصحفيَين الأمريكيَين (James Foley) و(Steven Sotloff)، والصحفي الياباني (Kenji Goto). فكانت وبوسائل القتل المتوفرة لديها من الجهات الأشد فتكاً بالإعلاميين، حيث قتلت 52 ناشطاً إعلامياً، 46 منهم على يد تنظيم داعش، و5 على يد تنظيم جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً). وكانت الناشطة رقية حسن محمد (المعروفة بنيسان إبراهيم) إحدى ضحايا تنظيم داعش، الذي اعتقلها في مدينة الرقة، ثُمّ أبلَغَ ذويها خبرَ إعدامها. وحلّ ثانياً لدى هذه التنظيمات سلاح الخطف والاعتقال بـ 29 ناشطاً إعلامياً ما بين معتقلٍ ومختفٍ قسرياً لدى تنظيم داعش، و2 لدى تنظيم جبهة فتح الشام. وقد استخدمت التنظيمات المتشددة هذا السلاح في قمع النشطاء الإعلاميين والتنكيل بهم خاصة في حال أظهر الإعلامي فكراً معارضاً لها أو نقداً لتصرفاتها. وكان أوّل ضحايا تنظيم داعش الناشط الإعلامي حسام نظام الدين، الذي اعتقله التنظيم مع اثنين من زملائه لدى مداهمتهم مكتب قناة أورينت في مدينة تل رفعت بريف محافظة حلب في 25/ تموز/ 2013، وبقي مصيره مجهولاً حتى هذه اللحظة. وفي الشهر التالي تحديداً في 21/ آب اختطف تنظيم جبهة فتح الشام الإعلامي زكريا حاج حمو أثناء تغطيته الاشتباكات بين التنظيم وقوات الإدارة الذاتية قربَ مدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة، ليكونَ أول إعلامي يتعرَّض للخطف على يد التنظيم، ومازال مجهول المصير حتى الآن. حاله حال الناشط الإعلامي رامي الزروك المغيَّب في مراكز احتجاز تنظيم داعش. في حين تتحفظ جبهة فتح الشام على مصير الصحافي الياباني(Jumpei Yasuda) الذي اختطفته في ريف إدلب بتاريخ 23/ حزيران/ 2015.

تسببت القوات الروسية في مقتل 16 إعلامياً، كان أوّلهم الناشط الإعلامي وسيم العدل الذي كان يُصوِّر بكاميرته آثار القصف على قرية بينين بريف إدلب

ومع بداية تدخل القوات الروسية في الصراع السوري تسبَّبت في مقتل الإعلاميين الذين كان مُعظمهم يوثِّق قصف طائراتها للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري؛ مما تسبب في مقتل 16 إعلامياً، كان أوّلهم الناشط الإعلامي وسيم العدل الذي كان يُصوِّر بكاميرته آثار القصف على قرية بينين بريف إدلب في 23/ تشرين الأول/ 2015 لتعاود هذه الطائرات قصفها للمنطقة فتسجّل عدسته لحظة إصابته ومقتله.

يشير حجم ونوعية الانتهاكات الموثقة خلال مراحل الصراع السوري ومنذ 2011 بشكل لا يقبل الشك إلى أن قوات النظام السوري تسببت بما نسبته قرابة 91% من مختلف أنواع الانتهاكات ضد الإعلامين والنشطاء. لكن من المهم أيضا أن ندركَ أن جميعَ الأطراف مارست بشكل أو بآخر نوعاً من القمع لوسائل الإعلام، وحرية الرأي والتعبير، وحاولت تشويه الحقائق، وقلبها لصالحها حيث تُدرك السلطات الاستبدادية جميعها خطر وسائل الإعلام في فضح ممارساتها وأساليبها الدكتاتورية، ناهيكَ عن مبالغتها في إظهار وحشية الخصم؛ مما أفقدَ العديد من وسائل الإعلام المحلية الشفافية والنزاهة والموضوعية.

وباعتبار أنَّ النظام السوري يتفوَّق على بقية الأطراف في امتلاك الحجم الأكبر من الأموال والدعم فقد عقد عدة صفقات مع صحفيين وكُتَّاب عرب وأجانب بهدف تحسين صورته محليا وعالميا وبين الحين والآخر تنشر مقالات أو مقابلات تلفزيونية لإعادة تأهيل النظام الدكتاتوري وإنكار جرائمه وتشويه بعض الحقائق بالطَّعن والتشكيك في جهد آلاف الصحفيين والإعلاميين والحقوقيين الذين خاطروا بحياتهم لنقل لحظة الحقيقة. ومن جهة أخرى، ساهمَ خطاب التحريض المذهبي والعرقي ونشر ثقافة التطرف في تأجيج المشاعر، الذي انطلق بدايةً من إعلام السلطات السورية والدول الموالية لها كلبنان والعراق وإيران وظهور عدداً كبيراً من الصحفيين الموالين للحكومة السورية وهم يلتقطون الصور فوق جثث مواطنين سوريين والبعض منهم يأخذ معها صور ” السيلفي”، وهذه أفعال تحمل في أبعادها نوعاً من التشفي ممزوجاً بصبغة طائفية. في مقابل ذلك برز صحفيون ينتمون فكريا إلى الجماعات المتشددة أو يعملون داخل بعض القنوات العربية وقدموا دعم كبير لتلك الجماعات بإعطائها مساحات واسعة من التغطية الإعلامية ونسب العديد من الانتصارات العسكرية التي تشارك بها مشاركة بسيطة بشكل كامل لها , مما تسبب في إعطائها صبغة شعبية وإعلامية أدت إلى تزايد أعداد المنضمين إلى صفوفها من أبناء الشعب السوري في ذلك الوقت.

على المقلب الآخر، تلاقَت مصالح بعض المؤسسات الإعلامية الكبيرة مع الناشطين الإعلاميين، ومن الضروري إقرار حاجة معظم وسائل الإعلام الأجنبية والعربية لدور النشطاء السوريين وحرصاً على مواكبة ما يحدث استعانت بالناشطين الإعلاميين لنقل الأخبار فرفَدَ هؤلاء الناشطون وسائل الإعلام تلك بالمواد الغنية المصورة من قلب الحدث مقابل أجور زهيدة وبعد أن أدركت نسبة المخاطر المرتفعة التي ستصيب عامليها داخل سوريا ومنعتهم من الدخول إليها، عمدت وفي سبيل أن تحصل على الأخبار بكل مهنية على إخضاع مراسليها السوريين لدورات تدريبية وتأمين حاجياتهم ومعاملتهم كصحفيين محترفين فبنت جسور ثقة معهم؛ وهذا يفسر ولاء العديد من الناشطين لمؤسسات ساهموا في بنائها رغم عدم حصولهم على أي مردود مادي؛ لمجرد كونها نافذتهم لإيصال صوتهم حول ما يحصل في مناطقهم إلى العالم وبنوا من خلالها قاعدتهم الجماهيرية. وفي كثير من الأحيان لم تلتزم وسائل الإعلام بالتعويضات عن الأضرار والإصابات، بل قد يتم فصلهم عن العمل بعد إصابتهم او اعتقالهم.

لقد احتلت سوريا المركز 177 (من أصل 180 بلداً) على التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود عام 2016. رغم الحاجة الملِّحة لتأمين أكبر قدر من القرائن لتوثيق انتهاكات جميع الأطراف في سوريا وبروز أهمية وجود الناشطين الإعلاميين الميدانيين الذين لعبوا دوراً أساسياً في توثيق تلك الانتهاكات بكاميراتهم وتزويد الجهات المعنية بالأدلة البصرية الخام والإدلاء بشهاداتهم عن مشاهداتهم ووصفهم للانتهاكات، كما عمل العديد كصلة وصل بين الشهود وتلك الجهات في ظلِّ عدم توفُّر شبكات التواصل والكهرباء في العديد من المناطق، وكان للعديد منهم دور في نشر ثقافة أهمية التوثيق بين المدنيين وتسهيل عملية حصول الجهات الحقوقية على معلومات تُفيدهم في توثيق الانتهاكات المرتكبة من قبل جميع الأطراف الرئيسة الفاعلة.

سوريا في المرتبة 177 في حرية الصحافة لعام 2016 حسب مراسلين بلا حدود

وبحسب القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني جاءت المادة 34 من الفصل العاشر ( يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية بمناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية) إلا أن المجتمع الدولي متمثلاً بمجلس الأمن لم يتحمل مسؤولياته في حماية المدنيين والإعلاميين على حد سواء في سوريا بناءّ على ما ينص عليه القانون الدولي الإنساني في حماية الصحفيين والصحفيات، حيث ورد في المادة (79) من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين في النزاعات العسكرية أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، شريطة ألا يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيين. وينصُّ القرار 1738 الصادر عن مجلس الأمن الدولي على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة. مساواة سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام والأطقم المساعدة في مناطق النزاعات المسلحة بحماية المدنيين هناك. اعتبار الصحفيين والمراسلين المستقلين مدنيون يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصفة. اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعياناً مدنية لا يجوز أن تكون هدفاً لأية هجمات أو أعمال انتقامية.

إلا أنه لا توجد أية جهود حقيقية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العمل الإعلامي في سوريا وللحدِّ من الانتهاكات المرتكبة بحق حرية العمل الإعلامي وضمان سلامة العاملين فيه، وإعطائهم رعاية خاصة، مع محاسبة المتورطين في الانتهاكات بحق الصحفيين والناشطين الإعلاميين الذين تعرضوا من مختلف أطراف النزاع لانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب , خصوصا من قبل النظام السوري فالجرائم التي ارتكبها بحق الإعلاميين تُعتبر جرائم ضد الإنسانية كونها منهجية وواسعة النطاق، إضافة إلى كونها جرائم قتل خارج نطاق القانون، وتتضمن التعذيب والاختفاء القسري.

غلاف كتاب أصوات في الثورة السورية

شارك هذه المادة مع أصدقائك