في 8 كانون الثاني/ ديسمبر 2024 تحقق الحلم وسقط النظام السوري، في هذا اليوم غاب النظام بعد خمسين عاماً من إحكام سيطرته على البلاد مارس خلالها القتل والتغييب والبطش بحق مواطنيه، في هذا اليوم وبعد مرور قرابة 14 عاماً أعلنت الثورة السورية انتصارها وخلاص البلاد ممن أمعن في قتل وتشريد وحصار وتجويع الشعب وحرمانه من كافة حقوقه.

بعد تحول الحراك الثوري المناهض للسلطة في سوريا والذي اندلع في آذار 2011 إلى حراك عسكري استخدمت فيه السلطة الحاكمة كافة أنواع الأسلحة، حتى المحرمة دولياً منها، ضد المناطق الثائرة في سبيل إسكاتها ماتسبب بمسح معالم بعضها بشكل شبه كامل عن الخارطة ما أجبر قاطنيها على النزوح أو الهجرة هرباً إلى أماكن أكثر أمناً، لم تقتصر عمليات النزوح والهجرة على المناطق التي تعرضت للقصف بل شهدت جل المناطق التي كانت لا تتعرض للقصف للتضييق الأمني والملاحقات لأسباب كثيرة، من أبرزها التجنيد الإجباري والنشاط المناهض له والاعتقال والتجويع. تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 6.6 مليون شخص نزحوا داخل سوريا، بينما فرّ حوالي 5.6 مليون آخرين إلى دول الجوار.

تنوعت طرق النزوح والهجرة ولم يكن معظمها آمناً فكانت أشبه بهروب من الموت إلى الموت، فكم من مهاجر توفي في رحلة هجرته وكم نازحاً تعرض مخيمه للقصف من قبل قوات النظام السوري فأجبر على النزوح مراراً وتكراراً، وكم مجزرة ارتكبت بحق النازحين على مدار سنوات الثورة مخلفة مصابين وأرامل وأيتام! عدا عن الواقع المعيشي المتردي لقاطني المخيمات ومعاناتهم اليومية في سبيل تأمين الطعام والدواء في ظل غياب البنى التحتية والخدمات اللازمة من طبابة وتعليم وغيرها، إضافة إلى معاناتهم جراء العوامل الجوية القاسية.

بعد انتصار الثورة السورية وانفراج الأسباب الرئيسة التي تسببت بنزوح وهجرة السوريين تولدت الرغبة الجامحة لديهم للعودة إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم التي اصطدمت بأسباب جديدة تمنع أو تؤجل هذه العودة، ربما أبرزها لدى جميعهم عدم توفر السكن فمنهم من باع ممتلكاته ومنهم من تدمرت ممتلكاته جراء العمليات العسكرية وعمليات النهب والتخريب التي تعرضت لها مئات المناطق، وفي ظل الظروف الاقتصادية التي تسود البلاد حتى وقتنا هذا لم يتمكن الملايين من العودة.

بالاطلاع على واقع من بقي من قاطني المخيمات في يومنا هذا، رغم الانخفاض الهائل في حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لهم، يدرك انهم الفئة الأكثر معاناة، فجلهم من كبار السن المرضى والعاجزين والنساء والأطفال لم يتمكنوا من العودة لبلداتهم وقراهم لأنهم لا يملكون حتى كلفة العودة إلى بلداتهم المهدمة.

ورغم انطلاق العديد من المبادرات المحلية والدولية لترميم المدن والبلدات المدمرة وإعادة ما أمكن منهم، إلا أنها مازالت عاجزة عن تغطية الاحتياجات الفعلية لهؤلاء مما يجعل حلم عودتهم بعيد المنال. لقد خلف النظام الأسدي البائد بلداً منهكاً يحتاج إلى عشرات السنين لإعادته إلى ما يليق به وبأهله ويقع على عاتقنا جميعاً مساندة هذه الجهود ما أمكننا ليحصل أبناؤنا على حياة تليق بهم وبتضحياتنا في سبيلها.

شارك هذه المادة مع أصدقائك