“استشهاد صالح الجعفراوي” خبر الأمس كان كالصاعقة عليّ، فصالح كان رفيق أيامي وإن كان لا يدري على مدار أزيد من عامين، كنت أتفقد أحواله في كل يوم فأعرف أحوال غزة العزة، صالح بتعابير وجهه البريئة الصادقة كان قادراً على اختزال كل ما يمكن أن يقال.

عملت خلال سنين الثورة على توثيق الانتهاكات بحق الإعلاميين في سوريا وكانت علاقتي بمعظمهم كعلاقتي بصالح، أتابعهم كل يوم حتى أكاد أحفظ تفاصيل حياتهم وكنت أتفاعل مع ما يصيبهم ويصيب بلداتهم وأسارع للاطمئنان عليهم مع كل خبر تصعيد عسكري أو قصف وغيره.

باستشهاد صالح استذكرت استشهاد مجد معضماني، المعروف بالديراني، الذي كان يقيم في داريا وينقل أخبار القصف عليها وأحسبه من أفضل من وثق استخدام النظام البائد للبراميل المتفجرة، والذي اشتهر بعبارة “الله أكبر داريا” والذي استشهد في شباط 2016 بقصف للنظام البائد على مدينته، أنا لم يسبق لي التواصل مع مجد لكن خبر استشهاده كان وقعه شديداً على نفسي وكأني فقدت قطعة مني.

امتاز صالح بتعابير وجهه فأبكانا حين يبكي وأفرحنا حين فرح وأطربنا بعذوبة صوته وهو يقرأ القرآن ويؤذن، صالح المكنى بأبي أسامة، ذو الأعوام السبعة والعشرين كان حافظاً للقرآن وكان مقرباً من الأطفال، صالح شاركنا نحن السوريون فرحة النصر حتى يحسب من يراه أنه سوري. كنت أخشى أن يستشهد قبل أن تتوقف الحرب على غزة فهو يستحق أن يفرح مع الغزاوية كما فرح مع السوريين، ولن ينسى أحد كيف نقل خبر وقف اطلاق النار على غزة وكيف حُمل على الأكتاف بين عناصر الدفاع المدني وتكبيراته التي رددها. بعد أن رأيت ذلك المشهد شعرت بالأمان فالحرب توقفت وصالح بخير، لكن مشيئة الله فوق كل شيء فصالح الذي كان ينتظر اكتمال فرحته بإطلاق سراح أخيه ناجي الأسير لدى قوات الاحتلال قتلته يد الغدر، وما أقسى الغدر.

قد نتساءل عن ما حدث معه قبل اغتياله لكنني أحسب أن الغدر الذي أصابه كان أقسى من أي ألم جسدي، ونحسبه شهيداً سكنت روحه وارتاح جسده إلى جانب من سبقه من رفاق.

إن أكثر ما تخشاه الأنظمة هو صوت الحق الذي يعريها ويكشفها فبينما وثق مقتل 717 ناشطاً إعلامياً في سوريا خلال سنوات النزاع في سوريا، تمكنت آلة الحرب الإسرائيلية من قتل قرابة 254 إعلامياً في غزة خلال عامين.

شارك هذه المادة مع أصدقائك